كيف تختلف ثقافة القهوة من بلد إلى آخر؟

لم تعد القهوة مجرد مشروب، بل أصبحت صلة وصل بين أفراد المجتمع بغض النظر عن طبيعة علاقتهم ببعضهم البعض. القهوة ثقافة يشترك فيها العالم أجمع، ولكن تختلف طريقة التعامل معها من مجتمع إلى آخر.

قهوة دي اُولا المكسيكية

يُشاع أن الظهور الأول لقهوة دي اُولا كانت خلال الثورة المكسيكية عام 1910م، حين قام الطباخين في المعسكرات بتحضير القهوة عبر خلطها مع القرفة والسكر البني الداكن، ثم وضعها في إناء طيني يتم وضعه فوق النار، ومن ثم قاموا بتقديمها إلى الجنود الذين كانوا دائماً بحاجة إلى الكافيين المنشط. ومنذ ذلك الحين، أصبحت هذه القهوة تقليد من تقاليد الثقافة المكسيكية. وبالإضافة إلى القرفة، غالبًا ما يُضاف قشر البرتقال واليانسون والقرنفل إلى القهوة، مما يجعلها مزيجاً رائعاً ومسكراً.

1.jpg
 

لا يزال الكثير من المكسيكيين مستمرين في تحضير هذه القهوة في أواني فخارية، بينما في العصر الحديث يتم تحضيره في وعاء معدني.

القهوة الهندية المفلترة

انتشرت زراعة القهوة في الهند عبر شيخ صوفي يُدعى بابا بودان، وتقول القصة أن الشيخ بابا بودان وأثناء عودته من زيارة مكة، وعند مروره بمدينة المخا اليمنية أخذ معه حفنة من بذور القهوة المهربة إلى كارناتاكا وعند وصوله إلى الهند، قام بزراعتها على الفور، ومن هنا انتشرت زراعة القهوة بكثرة في مرتفعات جنوب الهند. وبدأت الهند بتحضير مشروب قهوة مميز عن طريق صب الماء المغلي على القهوة المطحونة من خلال فلتر، ومن خلال هذه العملية تُستخلص القهوة وتستقر خلاصتها في الفنجان، وهذه الطريقة تخلق مزيجاً مركزاً ورائعاً للقهوة، وبعد أن تُصبح القهوة ذات قوام كثيف يتم إضافة الحليب المغلي والسكر لنحصل في النهاية على مشروب القهوة الهندية المفلترة.

 
2.jpg
 
 

في حين أن الشاي هو المشروب الأكثر استهلاكاً في الهند، إلا أن ثقافة القهوة العالمية استطاعت بكل تأكيدالانتشار في هذا البلد، وعزز هذا الانتشار ظهور سلسلة مقاهي ستاربكس في بعض الأجزاء من الهند، مما جعل القهوة شائعة بين السكان المحليين الشباب منهم.

قهوة الإسبريسو الإيطالية

الإسبرسو هو المشروب الإيطالي الأساسي الذي تُصنع منه بقية المشروبات الإيطالية. وهو مشروب قهوة (سادة) بدون أي إضافات ويُعرف أيضاً بالقهوة العادية أو القهوة السوداء، ويُشرب سريعاً ( دفعة واحدة ) أثناء الوقوف.

 
3.jpg
 

وعلى عكس ثقافة القهوة في أمريكا، فمثلاً عند شرب قهوة الكابتشينو وهو مشروب إيطالي مصنوع من الإسبريسو مع إضافة الحليب والرغوة، فإن التقاليد هنا تحتم عليك شرب هذه القهوة مع وجبة الإفطار قبل الساعة 11 صباحاً. وفي نفس الوقت وعند الحديث عن قهوة مكياتو فيمكنك شربها في أي وقت من الأوقات خلال اليوم.

القهوة الأثيوبية التقليدية

للقهوة الاثيوبية طريقة تقديم مميزة تتميز بطقوس ومراسيم يعود تاريخها إلى عدة قرون، وتحضير القهوة وشربها بهذه الطريقة هو نشاط اجتماعي يعتبره الكثير من الأثيوبيين جزءاً لا يتجزأ من حياتهم اليومية. تُقام هذه المراسيم لمدة ساعتان إلى ثلاث ساعات يومياً. ولمرة واحدة أو مرتين في اليوم. وترتبط عملية تحضير وتقديم القهوة الأثيوبية التقليدية عادةً بالنساء، حيث تقوم ربة المنزل بإعداد وتحضير القهوة مع إشعال بعض من البخور لإضفاء طابع الحميمية على المكان.

 
4.jpg
 
 

تبدأ عملية التحضير بأخذ الحبوب الخضراء غير المحمصة، ومن ثم تحميصها حيث تقوم ربة المنزل بتحميص القهوة أمام الضيوف باستخدام صحن القلي ( الصاج ) وفي تلك الأثناء تقوم بتقليب الحبوب على الصاج بالتزامن مع عملية التحميص، ثم طحن الحبوب بطريقة تقليدية عبر وضع القهوة المحمصة داخل إناء المدق وضربها بقوة باستخدام مقبض المدق مرة تلو مرة حتى يتم سحق المحتوى. بعد الطحن يوضع مسحوق القهوة مع الماء في إبريق مخصص يدعى ( الجمنة بفتح الجيم ) والذي يُوضع هو الآخر فوق الجمر، لبضع دقائق حتى تندمج المكونات مع بعضها البعض. وأخيراً يكون المشروب جاهز بعد بضع دقائق من الغليان.

القهوة اليابانية

بدأت علاقة اليابان بالقهوة منذ القرن السابع عشر، عندما وصل التجار الهولنديين محملون بالقهوة إلى الجزيرة اليابانية. في البداية، لم ينال هذا المشروب إعجاب الشعب الياباني، إلا أن علاقتهم مع القهوة أخذت طريقها في النمو ببطء منذ ذلك الحين. ومع افتتاح أول مقهى في اليابان خلال بدايات القرن العشرين، استطاعت القهوة وقتها جذب الكثير من الكتاب والفنانين وغيرهم من المثقفين الذين كانوا بحاجة إلى مكان مريح يستمتعون فيه بشرب كوب من القهوة. وبعدها انتشرت المقاهي بشكل كبير في فترة الثمانينات، وبالتالي ازدهار ثقافة القهوة في اليابان وظهور قهوة (كوهي) اليابانية.

 
5.jpg
 

وإضافة للمقاهي التجارية العالمية مثل ستاربكس، فقد استطاعت بعض المقاهي المحلية في اليابان مثل مقاهي دوتور الشهيرة من أن تنال شعبية كبيرة في اليابان. وفي السنوات الأخيرة تميزت مقاهي القهوة المختصة في اليابان بإضافة عدة أشكال فنية على وجه القهوة كرسم شخصيات الإنمي والأرانب والقطط والجراء.

القهوة التركية

تتشابه طريقة تحضير القهوة التركية مع طريقة تحضير القهوة العربية، وهذا ما ينفي الاعتقاد الشائع عن أصل القهوة التركية. وبغض النظر عن كل هذا، تظل القهوة التركية جزءاً لا يتجزأ من تراث وثقافة تركيا، ويُعد وجود هذه القهوة أمراً أساسياً في المناسبات الاجتماعية أو الخاصة في تركيا.

 
7.jpg
 

وتبدأ عملية تحضير القهوة التركية باضافة قهوة ناعمة، إلى جانب الماء البارد والسكر في إبريق نحاسي ذو مقبض طويل. ومن ثم يوضع هذا الإبريق على النار وبعد أن يغلي يُرفع الإبريق من على النار لفترة بسيطة وعلى الفور يُعاد وضعه مرة أخرى على النار ليغلي من جديد ونتيجة للغليان المزوج تتكون رغوة بلون الكراميل على سطح القهوة. وبعدها يُترك الإبريق جانياً لوقت بسيط لتستقر القهوة في قاع الإبريق، وبعدها يمكن إضافة بعض التوابل مثل الهيل أو القرفة لإضافة نكهة مميزة للقهوة.

قهوة الفلات وايت (نيوزيلندا وأستراليا)

فلات وايت هي قهوة نيوزيلندية واسترالية على حد سواء، في الحقيقة هناك خلاف بين البلدين حول أصل هذه القهوة. فعلى الرغم من عدم وجود دليل قوي يدعم ادعاء أي طرف، إلا أن كلاهما مصر على أن هذه القهوة قد نشأت لديه في وقت ما خلال ثمانينات القرن الماضي، وقد اشتد الجدل مؤخراً عندما أصدرت سلسلة مقاهي ستاربكس بياناً صحفياً نسبت فيه أصل هذه القهوة لأستراليا.

 
 

على الرغم من الجدل الدائر بين الشعبين، إلا أن كلاهما متفق في طريقة تحضير هذا المشروب بمزج مشروب اسبريسو مع الحليب المغلي يعلوه كمية قليلة من الرغوة.

السنغال وقهوة توبا

ظهرت قهوة توبا لأول مرة في السنغال في أواخر القرن التاسع عشر عندما أسس الشيخ أحمدو بامبا في مدينة توبا جماعته الصوفية الملقبة بـ" الأخوان مورايد"، وقد قام هذا الشيخ بابتكار شراب قهوة توبا المغلية مع نوع من التوابل الحارة يدعى بـ" فلافل سليم". ويُقال أن ما دفع هذا الشيخ إلى ابتكار هذا المشروب كان حاجة تلاميذه وأتباعه إلى طاقة إضافية تبقيهم مستيقظين خلال جلسات الإنشاد الطويلة. ومع مرور الوقت، انتشر هذا المشروب في جميع أنحاء السنغال.

 
9.jpg

في وقتنا الراهن أصبحت القهوة بالنسبة لسكان السنغال ليست مجرد مشروب فحسب، بل رمزاً لهويتهم وأحد أهم معالم ثقافتهم التي يعتزون بها. وبالحديث عن طريقة تحضير هذه القهوة فهي تشبه كثيراً طريقة تحضير القهوة التركية، حيث يُغلى القرنفل والسكر والفلفل ويظهر الإختلاف في طريقة التقديم، حيث يتم تبريد قهوة توبا بعدة حركات سريعة يُسكب من خلالها المشروب في كوب ومن ثم يُنقل بحركة سريعة ليُصب في كوب ثاني ومن ثم تعاد العملية عكسياً بدون توقف، وهكذا حتى يبرد المشروب.

قهوة البيض الفيتنامية

قهوة البيض هو مشروب فيتنامي شهير، ويُقال أن بداية ظهوره كانت في العام 1946م بسبب النقص الذي حدث حينها في منتجات الحليب، وذلك نتيجة الأزمة التي تسببت بها آنذاك الحرب الهندية الصينية الأولى. حينها قام نجوين فان جيانغ، الذي كان يعمل نادلاً في أحد فنادق هانوي، باستبدال الحليب بإضافة صفار البيض المخفوق إلى القهوة. وعلى الفور نال المشروب الجديد إعجاب رُعاة الفندق. وسرعان ما قام جيانغ بافتتاح مقهى خاص به، حيث عمل لسنوات في إنتاج مشروب قهوة البيض، لينال ابتكاره إعجاب المزيد من الناس ويصبح هذا المشروب مع مرور الوقت جزءاً أساسياً من ثقافة القهوة الفيتنامية.

لا تنحصر عملية تحضير هذا المشروب بإضافة صفار البيض المخفوق إلى القهوة فحسب، بل هناك أيضاً إضافات أخرى كالسكر، كما يمكن إضافة الحليب المكثف والجبن وحتى الزبدة.

 
10.jpg